كلام لمن يريد أن يفهم!

كلام لمن يريد أن يفهم!

يناير 21, 2020 - 17:05

بقلم: عبد الرزاق الداهش

لم يكن إبراهيم الجظران يحلق حتى بخياله، لينصب خيمته على ضفاف خليج السدرة، ويتوافد عليه شيوخ قبائل، ومسؤولين، ورئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا مارتن كوبلر.
وجد الجظران نفسه ذات صدفة، أو ذات كارثة، رئيسا لحرس المنشآت النفطية.

ومثل كل الذين سيطرت عليهم ثقافة الابتزاز، بدأ الجظران معركته بالمطالبة برفع مرتبات حرس المنشآت.

وتم قفل الموانئ النفطية في خليج سرت، أو تم قفل باب رزق لليبيين، بمباركة كثيرين في أجواء من المزايدة السياسية.
وجد الجظران من يكبر له رأسه، ويبارك هذه الخطوة، في مقدمتهم شيخ قبيلته، "باشا لطيوش".

"علي زيدان" رئيس الحكومة المؤقتة فضل حينها، حل أسهل، بمنطق أن كل ما يريده الجظران لا يساوي عائد ثلاثة ساعات، فكبّر الأخير رأس أكثر، وصار الكلام على رشوة، وفيلم هندي.
ولم نخرج من فزاعة البيع بدون عدادات، لنجد أنفسنا في فزاعة التهميش، وحق برقة، وأصبح الجظران رئيس للمكتب السياسي لإقليم برقة، وأشياء لا تحدث إلا في أفلام الكرتون.

أغلقت انابيب البترول، ووجدنا أنفسنا في أنبوب طويل، وضيق، وكان سعر برميل النفط يتجاوز سقف المئة دولار، يعني أن ليبيا التي في حاجة إلى كل سنت تخسر كل يوم مئة مليون دولار.
وطلع علينا من يقول ليبقى النفط تحت الأرض، ولا يأخذه الإخوان، وباقي البضاعة المضروبة الموردة من مصر.

وأمام توقف عائدات النفط التي توفر النقد الأجنبي اللازم لتلبية الواردات، بدأ مصرف ليبيا في اللجوء إلى تكسير حصالة الاحتياطي.

ولكي لا يتآكل هذا الاحتياطي بصورة سريعة، كان لابد من فرض قيود على صرف النقد الأجنبي، وهو الذي رتب ظهور سوقين، وخروج معدل التضخم عن السيطرة.
وكما عاد المركزي للاحتياطي، عاد الليبيون إلى مدخراتهم، وذهب زوجاتهم، لتدبير احتياجاتهم، كم ظهر مختنق شح السيولة، وباقي مستحضرات الأزمة.

أما الجظران فقد تحول إلى رقم، ينفخ ريشه، وصار فتحي المجبري، استاذ الاقتصاد مرشحا له في المجلس الرئاسي.

الجظران الآن مطلوب للعدالة الليبية، ولكن حتى لو تم إعدامه مليون مرة، فلن يعوض الليبيين خسارة أكثر من مئة مليار دولار، هي من جيوب الليبيين، وليس من جيب صنع الله أو الكبير، أو كوبلر.
فهل تعلمنا من درس الجظران، الذي دفعنا وسنظل ندفع فاتورته من اقتصادنا لربع قرن قادم؟

مصرف ليبيا يملك من الاحتياطيات لتغطية الواردات، ما يكفي لأربعة سنوات أخرى.

قرابة الثلثين من عوائد صادرات النفط تذهب مرتبات، زد عليها دعم للمحروقات، وأكثر من ذلك الكهرباء.

المتضرر من الجظرنة، وقفل صمامات النفط، هم الليبيين العاديين الذين ليس لهم أرصدة في الخارج، ولا شيء يستقوون به إلا مرتباتهم، ومخصصات أرباب الأسر.

سيظل أكثر عدو للجاهل هو نفسه.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)