مقاربة تناقضات الوضعين الليبي السوري

مقاربة تناقضات الوضعين الليبي السوري

فبراير 29, 2020 - 21:52

بقلم : المهدي عبداللطيف | كاتب صحفي ليبي

الكاتب الصحفي مهدي عبداللطيف

كثر الحديث والإشارة في الأونة الأخيرة عن الوضع الليبي وتشبيهه بالوضع السوري وخصوصا بعد توقيع مذكرتي التفاهم التركية مع حكومة الوفاق الوطني ودخول تركيا بقوة الى الملعب الليبي. لكنني أرى أن الوضع مختلف تماما.

أولا، تركيا لم تحضر في المشهد الليبي، بالشكل الفعلي والمؤثر، إلا مؤخرا ومع دخول الاتفاقية المشتركة مع حكومة الوفاق الوطني (الحكومة المعترف بها دوليا) حيز التنفيذ، أي بعد حوالي 8 سنوات من عمر الثورة الليبية، بينما كانت حاضرة في المشهد السوري منذ انتفاضة الشعب السوري على نظام الأسد عام 2011 نظرا لأنها دولة جارة واحتضنت منذ أول يوم مئات الآلاف من النازحين واللاجئين السوريين واحتضنت المعارضة السورية مثلها مثل معظم الدول العربية وخصوصا الخليجية. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى اللاعبون في الملعب مختلفون حتى وإن تشابهوا قليلا، فأدوارهم مختلفة تماما.

فالدب الروسي واللاعب الأكبر ونظرا للاعتبارات والتوازنات المطلوبة التي ربما فرضتها علاقة عمق استراتيجي ولسنوات طويلة منذ نظام الأسد الأب للعلاقة مع الاتحاد السوفيتي سابقا، الذي جعل من سوريا النافذة التي يطل من خلالها على المتوسط وبالتالي تمثل شوكة في ظهر حلف الناتو. بينما في المشهد الليبي فدور روسيا مختلف تماما، وإن حضرت في المرحلة الأخيرة باجتماع موسكو والتنسيق مع تركيا لعقد هدنة لوقف إطلاق النار حول العاصمة الليبية طرابلس.

أيضا، بالعودة إلى المشهد السوري، تحضر الولايات المتحدة بقوة في المشهد مع حليفها الأول قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على جزء مهم من الأراضي السورية، بينما تركت الولايات المتحدة والإدارة الأميركية ليبيا لسنوات طويلة للحليف الأوروبي بقيادة إيطاليا أحيانا وفرنسا في أحيانا أخرى كثيرة.

ولعدم وجود رؤية أوروبية موحدة والاختلاف على تقاسم الكعكة الليبية وصل السوء في نهاية المطاف بالحالة الليبية لدرجة أن البلاد تقريبا انقسمت إلى دولتين أو جزئين، جزء في الشرق تابع لقوات المشير حفتر وجزء في الغرب تابع لحكومة الوفاق الوطني. كذلك، لعله من نافل القول الوجود القوي لإيران وحزب الله اللبناني في المعادلة السورية دائما وأبدا لصالح النظام السوري الأسدي والذي يغيب عن الساحة الليبية.

فبالتالي، ورغم اختلاف رقعة السيطرة لكل الأطراف في المشهد السوري، إلا أن البلاد مقسمة تقريبا إلى ثلاثة أطراف. طرف الحكومة السورية برعاية روسيا وحزب الله وإيران، وطرف أكراد سوريا برعاية أمريكية الى حد كبير، وطرف المعارضة السورية برعاية تركيا.

بينما في الحالة الليبية فالدولة منقسمة إلى نصفين أو طرفين تماما، قسم يتبع معسكر تركيا في الغرب وقسم يتبع المعسكر الفرنسي الروسي المصري الإماراتي السعودي في الشرق، وبالإشارة إلى بعض دول الخليج، وهي إشارة مهمة جدا، فإننا نستحضر الحالة اليمنية مقارنة بالحالة الليبية إذا ما ركزنا على مناطق إقليمية لازالت ملتهبة ومتصارعا عليها إلى يومنا هذا، ولو انقلبت الأدوار حيث أن الإمارات والسعودية تقفان إلى جانب الحكومة الشرعية، على الأقل ظاهريا (لأنه هناك إشارات قوية على أن الإمارت أصبحت تدعم الانفصاليين في الجنوب) بينما تدعم إيران الانقلابين [مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح (الرئيس السابق)]، بينما الوضع في ليبيا معكوس، فالإمارات والسعودية تدعمان الطرف المناوئ لحكومة الوفاق الوطني.

فبالتالي، وكما أسلفنا، فإنني أرى أن الحالة الليبية تقترب أكثر فأكثر من الحالة اليمنية، ففي اليمن شكل مجلس انتقالي جنوبي يحكم جنوب اليمن ويمهد للانفصال عن الشمال الذي ربما سيكون ذا حكومة مستقبلية مستقلة، وبالتالي نحن نتحدث عن يمنيين (يمن شمالي ويمن جنوبي) وهذا طبعا "سيُرْجع التاريخ إلى الوراء، وهنا في ليبيا اليوم وعلى أرض الواقع فإننا في ليبيا أمام دولتين وحكومتين وحتى جيشين وحتى لو يكن الانقسام بشكل رسمي لكنه يبقى الاحتمال الأقوى والسيناريو الأقرب، والذي يعتمد على تطورات الأحداث وخصوصا الحرب على طرابلس وتفاهمات الدول المؤثرة المعنية بالشأن الليبي. بينما السيناريو السوري يزداد ضبابية وخلطا للأوراق خصوصا مع تطورات الأحداث الأخيرة.

ملاحظة: المقالات التي تنشر في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأيه