تبة القطران والتدخل المصري في ليبيا

تبة القطران والتدخل المصري في ليبيا

يونيو 09, 2020 - 19:46

بقلم | عمرو صلاح الدين
مصور حربي مصري ذو جنسية كندية

المصور الكندي المصري عمرو صلاح الدين

فجر يوم من أيام شهر مارس اللي فات، كنت موجود في تبة القطران على جبهة عين زارة، لم تكن هناك اشتباكات تذكر بين قوات الوفاق و قوات حفتر باستثناء قصف الهاون المعتاد.
و قبل ما الشمس تطلع نسمع صوت عالي بيجعر من خلال مكبر صوت، صوت مميز جدا لا تخطؤه الأذن

:"هنجيلكوا عين زارة و هنـ** نسوانكوا يا مصاريت يولاد التركية"

لهجة مصرية خالصة، ليست لهجة ضابط أو صف ضابط، و كونه قال "يا مصاريت" فهو مصري يعيش في ليبيا، و يعرف من يقاتل على الطرف الآخر جيدا.

الواقعة دي أكدتلي اللي وصلني من بعض مناوئي حفتر و معارضيه في الشرق، إنه عدد "محدود جدا" من المصريين في بنغازي و اجدابيا و طبرق بيقاتلوا كمرتزقة في صفوف قوات حفتر متعددة الجنسيات.
و هنا لازم أأكد على فكرة "محدود جدا" ، بمعنى إن العمال المصريين في شرق ليبيا في حالهم تماما باستثناءات فردية تعد على الأصابع.

ماذا عن الجيش المصري؟

صورت و شفت ذخائر من إنتاج المصانع الحربية في مصر وقعت بأيدي قوات الوفاق، ذخائر صغيرة و متوسطة ، قذائف هاون، حتى إني شفت مسدس حلوان 920 بختمه المميز.

القوات المصرية النظامية و بشكل قاطع لم تكن متواجده في الخطوط الأمامية لقوات حفتر، لكنها بكل تأكيد كانت متواجده بكثافة في الخطوط الخلفية، و في التدريب، و تأمين المنشآت، و العمل الاستخباراتي و اللوچيستي و التخطيط و بعض العمليات العسكرية بعيدا عن المشاة.

دقة مدفعية و هاون قوات حفتر في الجبهات اللي مكنتش فيها قوات مدربة "زي طارق بن زياد و اللواء التاسع مثلا" حتى شهر نوفمبر لم تكن دقة ميليشيات من الشرق، لكنها كانت دقة جيش نظامي عنده سلاح مدفعية محترف، طبعا ده لحد ما دخل مرتزقة Wagner الروس بشكل مباشر في الخطوط الأمامية، خاصة جبهة "صلاح الدين".

حسب دراسة هاون بسيطة عملتها على خريطة، طول ما أنا موجود على خط نار كنت بعمل نقطه مكان سقوط كل قذيفة هاون، و الهاون كان أهم سلاح على الإطلاق بالنسبة لقوات حفتر، و بحسابات بسيطة استنتجت إنه سلاح مدفعية محترف، كان بيقوم بنصب و تعديل قواعد الهاون على إحداثيات محددة، و تظل قاعدة كل هاون ثابتة، و يكون دور عنصر الميليشيا إسقاط قذيفة الهاون في القاذف لا أكثر، مع تعديلات بسيطة، المهم تكون تعديلات كل قاذف مسجلة، و ده في رأيي كان من أعمال سلاح المدفعية المصري، نفس الأمر فيما يخص المدفعية الثقيلة زي الهاوزر.

ففي الوقت اللي كان نشاط الطيران المسير إماراتي بحت، كان الجيش المصري على الأرض، مع وجود خبراء عسكريين إماراتيين و فرنسيين في قواعد الشرق، و حتى في قاعدة الوطية غرب ليبيا. طبعا الذكاء الفطري للضباط المصريين خلى كتير منهم ينشروا صور ليهم -الشهيد أمير كرارة ستايل- من داخل ليبيا، و يكتبوا إنها في ليبيا، فوفروا علينا تعب القلب في إثبات الوجود المصري في ليبيا كمبدأ، ناهيك عن المدرعات المصرية اللي شفتها محترقة في أماكن كانت تحت سيطرة قوات حفتر.

الوجود الإماراتي بالرغم من ذلك كان له الأثر الأكبر في سير الحرب، الطيران المسير الإماراتي قام بمئات عمليات القصف في طرابلس، أغلبها بطائرات Wing Loong الصينية التي تمتلكها الإمارات.

ليه مكنش الوجود المصري مؤثر بالشكل الكافي على الأرض؟ لإن جل الحروب في ليبيا من 2011 للنهاردة حروب مدن و شوارع، الجيش المصري غير مؤهل على الإطلاق -لحسن الحظ- لمثل هذه الحروب، الجيش المصري عايز صحراء واسعة و ضباط نظاميين في مقابل ضباط نظاميين و شغل حروب الستينات لحد بداية التسعينات عشان يقدر يشتغل، دا من ناحية، من ناحية أخرى فالجيش معتاد على عمليات المداهمات و الاعتقالات -اللي هو عمل الشرطة المدنية- و بيرتبك إذا تمت مواجهة نيرانه بنيران مقابلة.

هل قوات حفتر و معاها مصر و الإمارات و السعودية و فرنسا و روسيا و الأردن مكانوش يقدروا يحرقوا طرابلس بحرا و جوا و أرضا قبل ما تركيا تنزل بثقلها على الأرض؟ نظريا كانوا يقدروا، لكن عمليا، خلينا نعمل للموضوع ده بوست منفصل..كذلك كلام عن الخسائر المصرية بين ليبيا و سيناء.

الكلام ده كله مقدمة بسيطة لتفاصيل كثيرة جدا كنت شاهد عليها في حرب غطيتها لمدة سبع شهور، و كنت متغلغل في أدق و أصغر تفاصيلها و دهاليزها، و ما خفي كان أعظم، و للحديث بقية.

ملاحظة : المقالات المنشورة تعبر فقط عن رأي كاتبها ولاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع