تحول المسلّمات

تحول المسلّمات

يوليو 10, 2020 - 21:28

د. عبدالحميد النعمي | باحث أكاديمي

مفهوم "تحول المسلمات" يشير في العلوم السياسية إلى ظاهرة تطور وتغيير القناعات والتصورات نتيجة تطور الاحداث وتغير الظروف الموضوعية. ومعرف ان المسلمات والقناعات ما هي إلا نتاج لبنية معرفية معينة وإنها يمكن ان تتغير بتغير عناصر البنية المعرفية التي انتجتها. وتعتبر المرونة وسرعة استجابة المسلمات والمعتقدات السياسية لتحولات الواقع من المؤشرات الاساسية على قابلية الشعوب للنهوض وتحقيق النمو المطلوب .اما الشعوب والكيانات التي لم تتمكن من استيعاب متطلبات الواقع والتكيف معها فهي محكوم عليها بالتخلف والانقراض .

فهل استوعبنا نحن في ليبيا حقيقة التحولات التي تشهدها الساحة المحلية والإقليمية والدولية خلال الخمسين سنة الاخيرة . لايبدو ذلك . فلازال بعض الساسة في بلادنا يتصورون انه بإمكانهم اللعب على مصالح القطبين الامريكي والروسي . وهذه طبعا من مفاهيم الحرب الباردة التي تجاوزها العالم منذ سبعينات القرن الماضي .

فقد نجح القذافي في بداية عهده في الحفاظ على شي من التوازن ولكنه ما لبث ان وقع ضحية هذا التوازن الافتراضي . وأيضا تبنى حفتر نفس طريقة التفكير هذه بافتراضه امكانية اللعب على هذه التوازنات وصعد على ظهر البارجة الحربية الروسية واستدعى جنودا روس إلى الاراضي الليبية . وجاء عقيلة صالح لينادي بدوره بالتنسيق مع الروس و دعوتهم إلى بناء قواعد في ليبيا متناسيا ان هذا الخطاب ينتمي إلى مفردات القرن الماضي .حكومة الوفاق ايضا لم تتمكن من صياغة مشروع سياسي يعبر عن رؤيتها الخاصة للأوضاع والحلول التي تتبناها. وتبنت سياسة تعويم المواقف وانتهجت سياسات متناقضة في كثير من الاحيان : فهي ترفع شعارات فبراير وتمكن لأنصار سبتمبر في مفاصل الدولة؛ تنادي بالدولة المدنية وتمكن وتدعم شخصيات عرفت بالفساد المالي والسياسي ؛ تعلن تمسكها بالوحدة الوطنية وتساعد العناصر الانقلابية على بسط سيطرتها على مناطق واسعة من البلاد؛ تنادي بالوفاق وتقوم بتعيين سفراء ومدراء ادارات شغلهم الشاغل تقويض سلطة حكومة الوفاق؛ تنادي ببناء الجيش والشرطة وتدعم الجماعات المسلحة وتعتمد عليها في تامين حمايتها.

فإلى أي مدى ستنجح سياسة التعويم هذه في تمكين حكومة الوفاق من الافلات من الاستحقاقات التاريخية التي عليها مواجهتها .وإلى أي مدى ستتهرب النخب الليبية من مسؤولية تقييم عناصرالمشهد السياسي تقييما واقعيا ؟ وصياغة رؤية تعبر عن حقيقة اوضاعنا المحلية والدولية وتطلعات المواطن الليبي.

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كتابها)