من الذكريات المؤلمة

من الذكريات المؤلمة

يوليو 13, 2020 - 19:25

محمد بشير النعاس

محلل عسكري وسياسي

 

فى أواخر عام 1970 ، فى عهد القذافى ، كنت أشغل منصب مدير إدارة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع ، وكان رئيس القلم التابع لى ضابط صف برتبة رئيس عرفاء إسمه محمد المشاى ، وكان مؤدبا ومتعلما وله خبرة فى تدوين التحقيقات العسكرية وكان النقيب بلقاسم القانقا من الضباط الأحرار المقربين جدا للقذافى ، وهذا الضابط هو أول من افتتح مسلسل التعذيب على يد العسكر أثناء التحقيقات مع المواطنين الذين يتهمونهم بأنهم أعداء الثورة .

وكان هذا الرجل قاسي القلب ساديّ الطبع حيث كان يعذب ضحاياه وهو يبتسم ومستريح البال .

كان هذا النقيب السفاح يستدعى رئيس العرفاء محمد المشاى بين الحين والآخر لضبط محاضر التحقيق مع المعتقلين الذين يسمونهم أعداء الثورة .

وفى يوم من الأيام ، ومع قرب انتهاء الدوام دخل علي رئيس القلم مباشرة دون أن يؤدى التحية العسكرية وجلس على الكرسى الموجود أمام مكتبى وأنهار مباشرة بالبكاء ، فقمت له وقلت ما بك يا محمد ؟ ما الذى حصل لك ؟ فقال : لم أعد أتحمل رؤية ما يقترفه النقيب بلقاسم القانقا ، ما رأيته اليوم يا أفندى محمد لا يتحمل مشاهدته أى إنسان له إحساس وضمير ، فقلت له : حدثنى ، ما الخطب؟

فقال لى : اليوم قام النقيب بلقاسم القانقا بالتحقيق مع الأستاذ عبد المولى دغمان رئيس الجامعة الليبية ، وأمر أحد الجنود بحلاقته صفر ، ثم أمر الجنود بتعليقه فى الفلقه بطريقة مهينة وطفق يضربه على قدميه بطريقة وحشية مع استخدام الألفاظ النابية والرجل يعانى من شديد الألم دون احترام لعلمه ومكانته ولا حتى لآدميته !!وأنا لم أعد قادرا على تحمل هكذا مشهد مروع .

بذلت جهدا كبيرا لتهدئته، وقلت له يا محمد يجب ألا تستغرب مثل هذا التصرف من مثل هؤلاء الضباط ويجب ألا تتوقع منهم غير ذلك لأنهم غير متسلحين بعلم ولا أدب .

... واستمر بعد ذلك مسلسل التعذيب والإهانات والتقتيل لليبيين على أيدى من كانوا يسمونهم الضباط الأحرار وفى إدارة الإستخبارات العسكرية على وجه الخصوص على يد كل من مصطفى الخروبى والخويلدى الحميدى وخليفه مصباح العجيلى وانتهاء بعبد الله السنوسى الذين تعاقبوا على رئاسة تلك الإدارة وكانت ضحاياهم بالمئات وربما بالآلاف خلال حكم الطاغية ، الملازم أوّل معمر القذافى .

إن ما ارتكبه أولئك العسكر المجرمون فى حق ليبيا والليبيين من فظائع يعجز الخيال والقلم عن وصفه.

إحذروا العسكر فإنهم ما حكموا بلدا إلا خربوه وجعلوا أعزة أهله أذلة .

المقال لا يعبر بالضرورة عن سياسة الصحيفة, بل عن رأي صاحبه