الانتخابات هي الطريق
عبد الله الكبير.. كاتب صحفي
بعض شروط الترشح لمنصب الرئاسة التي تقترحها اللجنة القانونية تبدو مفصلة على شخصيات معينة،لتمكينها من خوض السباق إذا استقر الأمر على اعتماد المقترح دون تعديل. وكأنه ليس هدف هذا الحوار التوصل إلى سبل حل أزمات الشعب والحد من معاناته، ووقف هذا الانهيار لسيادة الوطن، وإنما لحل أزمة هذه الشخصيات المهووسة بالسلطة. فإذا كان الهدف هو تمكين الشعب من اختيار من يدير شؤونه في مواقع السلطة، فالطبيعي أن تفصل القاعدة الدستورية باشتراطات ومعايير تلائم الشعب، وتتطابق مع المعايير المتعارف عليها في كل دساتير الدول، لا أن تفصل على مقاس أطراف الصراع لكي تتبوأ مستويات أرفع في السلطة فإذا أخفقت تبقى في نفس المستوى. ثم تعيد الكرة بوسائل أخرى وفقا لتوجهات البوصلة الدولية.
فبعد عجز طرف مسلح عن تحقيق الوهم الذي يتلبسه بالقوة المسلحة، تحاول بعض شخصيات الملتقى تفصيل انتخابات من دون شروط ومعايير، وهذه الشروط ليست بدعة، وإنما هي شروط متعارف عليها تفرضها كل الدساتير في المواد الخاصة بالانتخابات، من دون مراعاة حساسية بعض المناصب السيادية كرئيس البلاد الذي يستحيل أن يكون حاملا لجنسية أخرى. ويبدو الشرط الخاص بالعسكريين كوميديا أكثر مما ينبغي، فالعسكري الطامح لمنصب الرئيس لا يتخلى عن وظيفته ورتبته قبل خوض الانتخابات ولكن إذا فاز يتخلى عنها أما إذا خسر يعود لرتبته وموقعه.
التحجج بسابقة ترشح عسكري لعضوية المجلس الرئاسي في اختيار السلطة الحالية لا يستقيم، بالنظر إلى أن السلطة الحالية مؤقتة ومهمتها الأساسية هي التحضير للانتخابات، وجرى اختيارها في ملتقى حوار سياسي رعته الأمم المتحدة، بينما السلطة التي يجري التحضير لها سيختارها الشعب عبر الانتخابات. وإذا كان العسكري يؤمن حقا بمهاراته السياسية ومواهبه في القيادة، فحتما سوف يغادر أي عمل يحول دون طموحه، ويلتزم بكل الشروط والمعايير، مؤمنا بالمنافسة المتكافئة مع نظرائه. ومن ثم سيركز جهده في العمل السياسي عبر قنواته الاعتيادية، والأخفاق في أول انتخابات سيكون دافعا له لخوض المنافسة مرة أخرى.
كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها. كما قال تشرشل، فإذا لم يعي غالبية الشعب أن مصيرهم بأيديهم، وليس بأيدي قلة لاتملك تفويضا حقيقيا، أو مؤسسة تآكلت شرعيتها، ولم يعد ثمة اي حق لها في القيادة، وينهض ليعرض مطالبه في الشوارع والميادين ويفرضها، فهو يستحق نتائج مايخطط له في مختلف العواصم من دول لا ترى إلا مصالحها، ولا يعنيها احتراق ليبيا أو حتى اختفاؤها من الخارطة مادامت مصالحهم آمنة ومستقرة.
إحدى المشاركات في ملتقى جنيف هددت بمطالبة برقة بحق تقرير المصير اذا اعتمد خيار الاستفتاء على مسودة الدستور. وهو تهديد يعكس حجم الخوف من العودة للشعب ليحسم خياراته وطريقه. فما الضير في فتح الطريق أمام الناس ليمارسوا حقهم في الاستفتاء على مسودة الدستور، ونرى إن كان حقا سيرفضها، وبعدها نمضي في الخطوات اللاحقة بإعادة المسودة للهيأة التأسيسية لتعدل البنود المعترض عليها. أما إذا جاءت النتائج مغايرة لتوقعات الذين قرروا نيابة عن الشعب أنها سترفض، فلعل هذا سيكون درسا مهما لهم، فيتوقفوا عن فرض وصايتهم ويسلموا بأن زمن الوصاية ولى، وأن لا أحد يعرف ولا أحد يقرر مايريده الشعب أو ما لا يريده إلا عبر الآليات المعروفة للممارسة الديمقراطية. الاستفتاء والانتخابات.
حتى وقت كتابة هذا المقال لم يفلح ملتقى الحوار بجنيف في التوافق على القواعد الدستورية للانتخابات، ولكن لابد من النظر إلى الأمام. فتنفيذ الانتخابات في موعدها هو هدف لامناص من إنجازه، فلا طريق لتكريس التداول السلمي على السلطة إلا طريق الانتخابات، كما أن فرصة الاتفاق على الإحتكام لها قد لاتأتي أو تتأخر زمنا طويلا، بالنظر إلى تعقد الصراع والتنازع المستمر على البلاد، بين المصالح المتعارضة للقوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع.
(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)