الثورة جديرة بالاحتفال

الثورة جديرة بالاحتفال

فبراير 20, 2024 - 21:26

مقال رأي بقلم الكاتب الصحفي عبدالله الكبير

لا يكف أعداء ثورة فبراير، كلما حلت ذكراها، عن الطعن فيها ووصفها بالمؤامرة، وتحميلها مسؤولية حالة التراجع والتفسخ السائدة الآن. داعين الناس إلى النكوص عنها وعدم الاحتفال بها.

فما أن يهل شهر فبراير حتى تبدأ فلول النظام السابق، ومعهم من خابت آمالهم في تحقق كل الشعارات التي رفعتها الميادين زمن الثورة، ولم تكن مرحلة ما بعد الثورة في مستوى تطلعاتهم واحلامهم، في تصويب سهام نقدهم للثورة، والمجاهرة بالندم عن تأييدها والمشاركة فيها ونصرتها.

الثورة، كأي فعل بشري، ليست فوق النقد، بل النقد والإشارة بشكل مباشر إلى الأخطاء ومواطن الخلل والضعف ضرورة ينبغي اعمالها بكل قوة، ويمكن التمييز بين نوعين من النقد، أحدهما وهو المهم، ينشد تقويم المسار ويدعو إلى الإصلاح، ويتفهم طبيعة المراحل الانتقالية، بعد كل تحول تاريخي، ويدرك السياقات الدولية والإقليمية المؤثرة في مسيرة الثورة.

ولا يتجاوز مراحل ما قبل الثورة، بكل ما وقع فيها من تخريب ممنهج لكافة مناحي الحياة. تعطيل الدستور وإلغاء الحياة السياسية، فرض ايديولوجية هجينة لا صلة لها بالتطور التاريخي للمجتمع، انفصال السلطة عن الشعب وانشغالها بمطاردة أوهام الزعامة والبطولة.

ويتفهم سهولة وقوع البلاد في سلطوية جديدة، بسبب غياب أو ضعف المؤسسات، وانعدام الثقافة الديمقراطية، ولا تفوته حالة الانقسام التاريخية والمزمنة بين شرق البلاد وغربها.

النقد بهذه الخلفية والرؤية مهم يمكن أن يقدم مبادرات تتلمس الطريق نحو ابتكار حلول لأزمة السلطة والتنافس المحموم عليها بين الأطراف القوية.

أما النوع الآخر من النقد، فهو في الواقع ليس نقدا بقدر ما هو هدم لأي منجز حققته الثورة، وتسفيه لكل التضحيات، وشطب لحق الناس في الجهر بمطالب مشروعة عبر الحراك السلمي.

هذا النوع من النقد ينطلق من عداء واضح للتغيير، وحقد سافر على الثورة، ومن أهدافه المعلنة تثبيط الناس عن إحياء ذكرى الثورة، بالتركيز على الأخطاء والسلبيات، التي لا تتحمل الثورة مسؤوليتها، بل هي تراكمات تاريخية يتعين البحث عن جذورها في سياسات التخريب الممنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي مارسه النظام الشمولي الاستبدادي خلال عقود ماقبل ثورة فبراير.

كل هذا العداء للثورة لم يجد أي صدى لدى الناس، إذ برزت مظاهر الاحتفال وارتفعت راية الاستقلال في الميادين والشوارع والساحات، حتى القرى الصغيرة في المدن الحرة أقامت احتفالاتها الخاصة.

بكل صدق وعفوية، ومن دون أي إكراهات أو إغراءات، نزل الناس للاحتفال بذكرى الثورة، وكانت رسالتهم واضحة لكل أعداء الثورة. سنحتفل رغم كل الأزمات الحقيقية أو المفتعلة، فالثورة جديرة بالاحتفال بها، ولن يسرق أحد منا الفرحة بهذا الحدث التاريخي العظيم.

    (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)