هل ينتفض الشعب الليبي في ذكرى ثورة فبراير؟

هل ينتفض الشعب الليبي في ذكرى ثورة فبراير؟

فبراير 01, 2022 - 11:43

بقلم الكاتب| عبدالله الكبير

صورة من الأرشيف

لا تسقط الأنظمة المستبدة بالضربة الفنية القاضية، إذ لا تنتهي المواجهة معها بانتصار واضح للثورة وهزيمة ماحقة ساحقة لها، لأن ارثها يستمر في تفاعلاته وتأثيره في المرحلة التي تعقب السقوط، لذلك تتواصل الموجات الثورية خلال المراحل الانتقالية للتخلص من بقايا مخلفات وشوائب الأنظمة الشمولية. تماما مثل عملية صهر خام الحديد لتخليصه من الشوائب العالقة بين ذراته، وبعد الصهر يطفو على سطح المصهور طبقة من الخبث تجري إزالتها ليصفو الحديد، وبإعادة الصهر سيظهر المزيد من الخبث حتى يخلص الحديد نقيا صافيا بأعلى نسبة.

 ليس بالضرورة أن يستمر النظام المنهار عبر نفس الشخصيات والقيادات، كما قد يتصور البعض، وإنما من خلال ما رسخه من قيم وأفكار وثقافة، لا توازنها ثقافة وأفكار وقيم مضادة، تقطع مع الماضي، ليس فقط بتبيان تهافته وقصوره، وإنما بتكريس القيم البديلة، ونشر أفكار الحرية المسؤولة، وبث روح الديمقراطية، وإعلاء قيمة الاختلاف، واحترام التنوع. بدون هذا التغيير سيواصل النظام القديم حضوره وتأثيره، ومن ثم لا غرابة في تأييد قطاعات واسعة من الناس لأي بوادر لعودته في أي صورة، طالما عجزت قوى الثورة عن إقامة البديل. ولعل المثال البارز أمامنا هو النكوص عن التغيير وعودة الاستبداد سافرا في تونس والسودان، رغم نجاح الموجة الأولى من الثورة في اسقاط النظامين المستبدين. فتشتت قوى الثورة والتخبط في الطريق نحو الأهداف والتكالب على السلطة قبل ارساء قواعد النظام الجديد من العوامل المشجعة على النكوص وعودة مظاهر الاستبداد. 

 ولكن الشعب في البلدين لم ينصرف إلى شؤونه الخاصة وكأن الأمر انتهى بسقوط رأس النظام، وسرعان ماعاد للميادين مفعلا دوره في تصويب المسار، وقطع الطريق على محاولة النظام القمعي الشمولي العودة بعد اجرائه تغييرات شكلية توهم المغفلين بأن التغيير تحقق، وأظهر صمودا منقطع النظير، وأثبت صموده في الميادين رغم القمع والتضييق والتخويف، مؤكدا استعداده لتقديم المزيد من التضحيات في معركة مفتوحة، حتى تحقيق الانتصار النهائي، باجثثات الاستبداد وكافة مظاهره، وقطع اليد الخارجية العابثة، وإقامة البديل النقيض لكل الماضي ومخلفاته. صحيح أن الشعوب لم تحقق انتصارها بعد، ومازال في حقائب المستبدين الجدد الكثير من الحيل والدسائس والخدع، ولكنها كذلك لم ترفع رايات الهزيمة والاستسلام، ولديها كل أسلحة النضال لمواصلة المشوار، مؤمنة بيقين لا يتزعزع أن الشعوب لا تهزم. 

 مايجري في ليبيا لا يختلف في جوهره عما يحدث في البلدين المجاورين، من دون تجاهل بعض الاختلافات بالطبع، لأن مسار الثورة الليبية واستجابة النظام لها كانت مختلفة، ولكن في كل بلدان الثورات تسرب النظام القديم من كل الثغرات الظاهرة، مستغلا فوضى المراحل الانتقالية، وقلة صبر الناس على تباطؤ عجلة التغيير، وخيبة الأمل في كل الوعود التي بشرت بها الثورات. فلماذا لا يلتحق الشعب الليبي بهذا المد الثوري الذي يضرب المنطقة، ويتصدى لعودة الاستبداد وهيمنة بضع عائلات وعصابات على السلطة والثروة والنفوذ؟ ألم تكن ثورات الشعوب الشقيقة المجاورة هي الملهمة لثورة فبراير، وسبب رئيس في التعجيل باندلاعها، بعد أن منحت الثورتان التونسية والمصرية الأمل في إمكانية التغيير إذا تحرك الشارع، وتحرر من الخوف وصمم علي اسقاط النظام الدكتاتوري القمعي؟ 

 لا يمكن أن نهتدي للطريق المؤدي للنظام الجديد، ويتعذر تقصير عمر المرحلة الانتقالية إلا بالتصدي كل سلوك يشي بعودة الاستبداد، وهيمنة أقلية على مقاليد السلطة، وعطلت أهم الاستحقاقات التي تفجرت الثورة لتحقيقها. فالطبقة المهيمنة على مقاليد السلطة لن تقبل بالتنازل والتخلي عما بين يديها من امتيازات طواعية. لذلك لا مناص أمام قوى الشعب الواعية والمتحررة من هوى السلطة إلا النزول للميادين، وتحريض الناس على الخروج لاسقاط الطبقة السياسية الفاسدة، التي يستقوي بعضها بالقوى الخارجية، وإنهاء هيمنتها على المشهد بالإصرار على تشكيل مجلس تشريعي جديد عبر الانتخابات، وينهض بمسؤولية معالجة الاستحقاق الدستوري، والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وتشكيل حكومة وطنية تملك القوة والشرعية لطرد المرتزقة والقوات الاجنبية. وغيرها من الاستحقاقات الأخرى التي لا تقل أهمية. 

 ذكرى ثورة فبراير تقترب وهي مناسبة تاريخية لتجديد العهد وفاء للشهداء بالنزول إلى الميادين في كل المدن والقرى، والجهر باسقاط الكيانات المتكلسة في السلطة واجبارها على التنحي وتنفيذ الانتخابات. فهل ينتفض الشعب الليبي في موجة ثورية جديدة ليصحح مسار الثورة، ويقطع الطريق على أي محاولة لعودة الاستبداد؟

 

  (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)