رهانات خاسرة

رهانات خاسرة

يونيو 06, 2023 - 22:12

بقلم يوسف لطفي، كاتب سياسي

 في الوقت الذي يترقب فيه الليبيون نتائج اجتماعات لجنة 6+6 الممثلة لمجلسي النواب والدولة والمكلفة بصياغة ووضع قواعد العملية الانتخابية المرتقبة، عاد الحديث عن ضرورة تشكيل حكومة انتقالية موحدة لقيادة المرحلة القادمة.

توافق طارئ:

رغم إعلان أعضاء لجنة 6+6 "التوافق الكامل" حول القوانين الانتخابية بما فيها النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء مجلس الأمة، بالإضافة لكيفية إشراك الأحزاب السياسية في انتخابات مجلس النواب عبر قوائم حزبية أو ترشُّحات فردية، إلا أن المعلومات المتداولة تشير إلى انحراف لجنة 6+6 عن مسار المفاوضات حول القاعدة الانتخابية إلى التفاوض حول تشكيل حكومة انتقالية مصغرة، وبعيدا عن مسألة خروج اللجنة عن تفويضها الرسمي ومناقشتها لمسائل خارج نطاق مهامها، إلا أن التوافق بين البرلمان والأعلى يعد سابقة حيث لم نعتد حدوث أي نوع من أنواع التوافق فضلا عن التوافق التام في زمن قياسي!

مسارات متقاطعة:

مسارعة اللجنة للإعلان عن توصلها إلى توافق يأتي في ظل سياق سياسي أشمل، حيث يحتدم الخلاف بين الحكومة وبين مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة وبين الأطراف المشاركة في مسارات التفاوض الموازية، بدءا من محادثات القاهرة بين صدام حفتر وقادة المجموعات المسلحة بالمنطقة الغربية، مرورا بالمحادثات التي يقودها بلقاسم حفتر مع ممثلي عبدالحميد الدبيبة، وانتهاء بمحادثات البرلمان والأعلى للدولة، حيث تسعى كل هذه الأطراف للتوصل لاتفاق يعيد تشكيل المشهد السياسي بما يخدم بقاءها وتمددها على حساب المكونات الأخرى.

إقالة رئيس وزراء الحكومة الموازية "فتحي باشاغا" وإحالته للتحقيق من قبل كتلة خليفة حفتر بالبرلمان وبغياب عقيلة صالح عن التصويت، يشير إلى تفاقم الخلاف بين صالح وحفتر، كما يشير إلى تقدم مسار المفاوضات مع ممثلي الدبيبة، وهو ما يفسر توافق صالح السريع مع المشري حول ضرورة إنشاء حكومة انتقالية مصغرة.

فيما تبدو مسارات التفاوض المختلفة متوازية للوهلة الأولى، إلا أنها تشتبك بالضرورة في عدد من الملفات، وهو ما يجعلها مسارات متعارضة، فتوصل الأعلى للدولة والبرلمان لاتفاق يضع الكرة في ملعب الدبيبة الذي نذر حكومته لدعم الانتخابات والتحضير لها، في المقابل فإن توافق المجموعات المسلحة بطرابلس مع صدام حفتر سيقوض من نفوذ الدبيبة ويضعه تحت ضغط هذه التفاهمات، في حين أن الدبيبة لو استطاع إحراز تقدم في مفاوضاته مع حفتر فإن ذلك سيمنحه القدرة على المناورة وإطالة أمد حكومته على المدى المنظور.

خيوط المشهد:

يبدو مسار التفاوض الجاري بين بلقاسم حفتر وممثلي الدبيبة والذي يعد امتدادا لمباحثات دبي التي أسفرت عن تعيين بن قدارة على رأس المؤسسة الوطنية للنفط هو المسار الأقوى، بل في ما يبدو أنه المسار الوحيد المرشح لإنتاج تفاهم حقيقي بين الأطراف المشاركة فيه، ففي ظل هيمنة خليفة حفتر على البرلمان وتحكمه في المسار الثالث بالقاهرة، يبدو أن كل الطرق تقود إلى المسار الأول.

على صعيد آخر فإن قرار تشكيل حكومة مصغرة تتجاوز حكومة الدبيبة لا يمكن أن يكون قرارا داخليا خالصا، فكما لعبت الأطراف الدولية دورا أساسيا في وصول قائمة الدبيبة للسلطة عبر حوارات جنيف، فإن إسقاط هذه الحكومة أو تجاوزها يتطلب حدوث توافق بين عدد من الأطراف الدولية الفاعلة المستثمرة في المشهد الليبي، وعلى رأسها واشنطن التي نشطت دبلوماسيا وأمنيا منذ بداية العام الجاري على خلفية التمدد الروسي وتطورات المشهد الدولي، وأنقرة التي تملك وجودا عسكريا على الأرض ومصالح إستراتيجية، والقاهرة المتجذرة في المشهد عبر البرلمان و"الجيش".

خاتمة:

بحسابات المصلحة الوطنية والشعبية، فإن كل رهانات التفاوض الحالية رهانات خاسرة، فالأطراف السياسية والأمنية الفاعلة بالمشهد مستغرقة في حماية مكتسباتها ومصالحها، وهي مثقلة بسنوات من الفساد والمكاسب غير المشروعة والارتباطات الخارجية المشوهة، أما البعثة الأممية فهي مستغرقة في أجندة إرغام التوافق الشكلي مهما بدا مشوها وغير طبيعي، وهي ملزمة بأجندة واشنطن الأمنية والدبلوماسية لإحداث استقرار نسبي، والذي تعد تفاهمات تقاسم السلطة الطريق الأقرب له.

 

(المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)